توسّعت الاحتجاجات بالعاصمة إلى أحياء جديدة وعرفت أعمال عنف وتخريب في استغل بعض المنحرفين موجة الاحتجاجات إلى صدامات عنيفة، استخدمت فيها الأسلحة البيضاء وتحولت الاحتجاجات إلى مواجهات عنيفة مع قوات مكافحة الشغب استخدمت فيها المياه الساخنة، كما قام المحتجون بإقامة المتاريس وقطع الطرق ورشق الشرطة بالحجارة.
*
عرفت مختلف الأحياء العاصمية أمس، حالة من الاستنفار القصوى بعد الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر منذ يومين نتيجة غلاء الأسعار، حيث قام المحتجّون في كل من حي باب الوادي وباش جرّاح ومختلف الأحياء المجاورة ليلة أوّل أمس بغلق الطرقات وشلّ حركة باستخدام المتاريس وإضرام النيران بالعجلات المطاطية ورشق مصالح الأمن وقوات مكافحة الشغب بالحجارة، وردت هذه الأخيرة من جهتها باستعمال الغاز المسيل للدموع والرشّ بالمياه الساخنة لتفريق المحتجّين.
*
* وخلال الجولة الاستطلاعية التي قادتنا عبر مختلف الأحياء العاصمية الأكثر شعبية صبيحة أمس لاحظنا نوعا من الهدوء الحذر بالمناطق التي شهدت احتجاجات على خلاف حي الحميز بالدار البيضاء، حيث أقدم شباب هذا الحي بغلق الطريق الوطني رقم 5 المؤدّي إلى ولاية بومرداس، وقد حاول مجموعة من المنحرفين اغتنام فرصة الاحتجاج من أجل اقتحام المحلاّت الكهرومنزلية الواقعة بذات الحي، إلا أنّ مصالح الأمن منعتهم من ذلك.
*
* وفي السياق ذاته، شهدت مختلف الأماكن العامّة تحطيما من قبل المحتجّين، على غرار مكتب بريد باش جراح والمركز التجاري المحاذي له، والذي ألحق بأغلب محلاّته أضرارا بليغة، ناهيك عن تخريب بعض مواقف الحافلات والسيارات المارة والتي كانت على الواجهة عن طريق الرشق بالحجارة.
*
* نفس المصير لقيته مختلف المرافق التجارية كمتعاملي الهاتف النقّال ومستودعات السيارات المستوردة بكل من باب الوادي والحمّامات، حيث ألحق المحتجّون أضرارا بليغة بهذه الأماكن.
*
* "كفانا حقرة... كفانا اضطهادا" و"تحملنا المعيشة داخل القبور وعشنا البطالة،و لكن لن نقبل بالزيادة في الأسعار" هي بعض الشعارات التي رفعها المواطنون للتعبير عن غضبهم للأزمة الحادة التي تعرفها الجزائر منذ بداية السنة الجديدة والمتمثلة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية كالسكر والزيت، والتي تعتبر المواد الأكثر استهلاكا من قبل الجزائريين، كما اعتبر أغلب المحتجّين أنّ تراكم الأزمات هو الذي دفع بهم للخروج إلى الشوارع من أجل مطالبة السلطات بوضع حد لهذه المشاكل، وفي هذا الشأن يقول أحد المحتجّين "لم تكفهم نسبة البطالة التي يعاني منها أغلب الشباب الجزائري وأزمة السكن التي بلغت الخناق ليخلقوا أزمة رفع أسعار المواد الغذائية، كيف للمواطن البسيط أن يعيش في ظل كل هذه المشاكل؟" ويضيف آخر "هذه الانتفاضة ما هي إلا انفجار لضغط صنعته السلطات في شعبها".
*
*
*
* أعمال تخريب بباش جراح والمحتجون يغلقون الطريق ببوروبة
*
*
من جهة أخرى، أقدم عشرات الأشخاص، على غلق الطريق على مستوى حي بوبصيلة التابع لبلدية بوروبة شرق العاصمة، ونصب المحتجون متاريس وسط الطريق كما أضرموا النيران في إطارات مطاطية، وكان لافتا استخدام صخور ضخمة في سد الطريق التي أغلقت تماما في وجه حركة السير. وقد هرعت إلى المنطقة تعزيزات أمنية مهمة من الوحدات الجمهورية للأمن وعناصر الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية. وقام رجال الأمن بتحويل حركة سير المركبات إلى باش جراح عبر حي الجبل، وكانت الشرطة تراقب الوضع في انتظار تسخيرة من السلطات للتدخل وفتح الطريق. وغير بعيد عن بوبصيلة، انتشرت بالحراش عناصر مكافحة الشعب قرب المرافق العمومية، مثل البلدية والدائرة، وعدد من المؤسسات تحسبا لأعمال شغب محتملة.
*
* وبباش جراح، عرف الحي عمليات غلق للطريق ليلة الأربعاء إلى الخميس، تخللتها أعمال كسر وتخريب. وإلى غاية مساء أمس ظلت مخلفات الإطارات المشتعلة وسط الحي، مع تسجيل محاولات من طرف مجموعات قوامها أعداد قليلة من ألأشخاص، النزول إلى الشارع وتنظيم احتجاجات لكنها كانت أعمالا متفرقة.
*
* وعكس التوقعات عاشت بلدية براقي أجواء من الهدوء، رغم تداول الشارع المحلي عشية أول أمس، أخبارا عن انزلاقات ومواجهات محتملة، غير أن الأمر لم يتم. وكان الحي قبل أيام مسرحا لمواجهات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين يمن حي ديار البركة يطالبون بالاستفادة من برنامج إعادة الإسكان. وعزت مصادر محلية عدم وقوع مواجهات أمس، إلى ظهور مؤشرات مطمئنة بخصوص انطلاق البرنامج المذكور بالحي، حيث اجتمعت لجنة مراجعة ملفات المرشحين للاستفادة أمس، بمقر الدائرة الإدارية لوضع اللمسات ألأخيرة على قائمة المعنيين بالترحيل.
*
* وعرفت بلديات شرق العاصمة أمس، تعزيزات أمنية كبيرة، قدمت من الوحدات الجمهورية للأمن بالحميز، تحسبا لانزلاقات محتملة بالشارع، كما عرفت نقاط التفتيش الثابتة لقوات الأمن، تشديدا غير اعتيادي في إجراءات المراقبة.. فيما سادت حالة من الترقب وظهرت إرهاصات لعمليات الشغب، من خلال الأحاديث المتداولة وتجمعات هنا وهناك، وتداول إشاعات عن وقوع أعمال عنف بنقاط من العاصمة.
*
*
* "الشروق" تقف على مخلفات الاحتجاج بغرب العاصمة
*
*
دخان المواجهات يحبس أنفاس الشراڤة وعودة الهدوء إلى زرالدة
*
*
توقفت عقارب الساعة عند العاشرة صباحا من يوم أمس، حينما وصلنا إلى حي "كـــالما" الرابط بين اسطاوالي وبلدية الشراقة، وغير بعيد عن مقر القيادة العامة للدرك الوطني، تجولنا عبر بعض أزقة الحي وصولا إلى محطة الحافلات بالقرية، أين لاحظنا أن الحياة بدأت تعود إلى طبيعتها وبدرجة نسبية، مع حركة مرور عادية في الشوارع وسط تعزيزات أمنية مشددة بالمحيط، وفتح المحال التجارية وخروج المواطنين لمزاولة نشاطهم بعد ليلة من المشدات العنيفة بين المحتجين وقوات مكافحة الشغب، استعملت فيها الغازات المسيلة للدموع، فيما سمع إطلاق رصاص يجهل مصدره، حسب مصادر "الشروق".
*
* لم يسجل خلال تجولنا بشوارع "كالما" أو بالطريق الولائي باتجاه البلديات المجاورة اسطاوالي وعين البنيان أي حادث يذكر، غير تجمعات شبانية متفرقة، يتبادلون الحديث عن مواجهات ليلة أمس الأول - الأربعاء إلى الخميس -، الكل يندد بغلاء المعيشة وارتفاع نسبة البطالة والجهات التي تقف وراء قرار رفع الأسعار، التي اختارت توقيت توجيه سمومها باتجاه جيوب "السواد الأعظم من الجزائريين وهذا لإشعال نار الفتنة من جديد بين أبناء الشعب الواحد"، حسب (ج.سامي) 28 عاما فني في الأمن الصناعي، الذي قال في تصريح لـ"الشروق" بأنه عاطل عن العمل، معتبرا أن "الاحتجاجات أصبحت بالنسبة للشباب خيارا لا مفر منه أمام المستقبل المجهول"، قبل أن يضيف بأن ذلك "صار السبيل الأوحد لمواجهة "مافيا" تتحكم في قوت المجتمع ودفعت بأبنائه إلى الانتحار والحرقة".
*
* وعن مواجهات ليلة الأربعاء إلى الخميس قال محدثنا بأنها انطلقت في حدود الساعة السادسة مساء، بعدما أقبل مئات الشباب وبطريقة عفوية على غلق الطريق الوطني الرابط بين اسطاوالي والشراڤة بالمتاريس، إضافة إلى قطع الطريق المؤدي إلى قيادة الدرك الوطني، احتجاجا على الزيادة في أسعار المواد الإستهلاكية وتراكم المشاكل الاجتماعية التي تصاحبها وعود المسؤولين التي تحولت، حسب الشاب سامي، إلى مهدئات سئمها الشباب خاصة، وأضاف أن الاحتجاجات كان سلمية في بداياتها، قبل أن تتحول الأزقة إلى مواجهة مباشرة استعملت فيها الحجارة من المحتجين والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، يقول الشاب، فيما قامت مجموعات متفرقة من المحتجين بإشعال النيران في العجلات المطاطية لمنع وصول التعزيزات الأمنية.
*
* وعن سؤال لـ"الشروق" حول مبررات التوقيت الليلي للاحتجاجات، يرى محدثنا، إنها رسالة واضحة وتعبير دقيق بأن الظروف الحياتية للمجتمع بلغت "نفقا مظلما"، وعاد ليذكر بأنه خلال المواجهات مع قوات مكافحة الشغب سمع طلقات نارية مجهولة المصدر، مشيرا إلى توقيف بعض شباب الحي على خلفية المواجهات الليلية.
*
* وجهتنا الثانية بعد حي "كالما" كانت مدينة زرالدة، مرورا ببوشاوي وبحي البريجة الذي شهد بداية مواجهات "الزيت والسكر"، وصلنا إلى وسط المدينة فوجدنا الوضع هادئا، ولكن أمرا ما يتداول بين مجموعات الشباب هنا وهناك، فاقتربنا من أحدهم الذي أكد على أن المنطقة عرفت في ذات الليلة مواجهات مع قوات الأمن على مستوى القرية الفلاحية، بعدما تمكن بعض المحتجين من غلق الطريق السريع - تيبازة بن عكنون- بوضع المتاريس والعجلات المطاطية، وهذا لمدة لا تتجاوز الساعة بعد تدخل قوات الدرك الوطني وقوات مكافحة الشغب بتفريق المتظاهرين وإزالة الحواجز وفتح الطريق أمام حركة المرور.
*
* غادرنا أحياء الجهة الغربية للعاصمة وتركنا عمال النظافة ومجموعات من الشباب المتطوعين يعملون على إزالة مخلفات المشادات العنيفة التي سجلتها المنطقة في الأيام الأخيرة، فهل يتمكن الجزائريون من إزالة مبررات مواجهات "الظلام" وفتح أفق اجتماعي جديد أكثر أمنا واستقرار.